ارتفع عدد ضحايا حادث انهيار جزء من هضبة المقطم على مجموعة من المنازل بمنطقة الدويقة إلى 31 قتيلا، كما ارتفع عدد المصابين في الحادث إلى 46 شخصا وذلك بعد تساقط عشرات الصخور في عزبة "بخيت" بمنطقة الدويقة في حي منشأة ناصر في شرق القاهرة التي دمّرت كثيرا من المباني المتلاصقة التي تفصل بينها طرق ضيقة قرب طريق سريع.
وتشير بعض التقديرات لأهالي المنطقة إلى أن أعداد الأشخاص تحت الصخور قد تصل إلى 800 شخص يقطنون حوالي 50 بيتاً تحولت لركام تحت الأنقاض.
الحادث الذي وقع بحسب شهود عيان في الثامنة صباحاً لم تتحرك أجهزة الإنقاذ للقيام بعمليات انتشال الضحايا إلا في الثانية عشرة ظهراً وبمجرد وصول عربات الإسعاف والدفاع المدني وعربات الإنقاذ سواء من الشرطة أو من القوات المسلحة ظلت واقفة في مكانها حتى الساعة الرابعة عصراً ولم تتدخل بسبب وعورة المكان مما اضطر الأهالي للقيام بعمليات انتشال ذويهم بأيديهم بالرغم من استمرار تساقط أجزاء من الجبل عليهم.
وانتظرت قوات الإنقاذ "قراراً سيادياً" بالتعامل حتى الساعة الرابعة عصراً حيث بدأت عمليات "خلع شريط القطار ليتسنى للعربات الدخول وسط لعنات من الأهالي بسبب تأخير التدخل لإنقاذ الضحايا تكراراً لمأساة عدم السيطرة على حريق الشورى مؤخراً لمدة 9 ساعات.
وأثناء ذلك التقت "بص وطل" بالمهندس "طارق محمد" الذي يعمل بشركة المقاولون العرب والذي أكد أن التعليمات التي صدرت لهم تقضي بعدم التدخل بشكل جذري لإزالة الصخور بالمعدات الثقيلة إلا بعد التأكد من عدم إمكانية انهيار الكتل الصخرية مرة أخرى، مؤكداً أن سبب انهيار الصخور هو عدم وجود شبكة صرف صحي سليم واستخدام الصرف الصحي العشوائي "الطرنشات".
ومن جهة أخرى يعقّب "نبيل عبد الفتاح" الخبير الاستراتيجي بمركز الأهرام على الحادث لـ "بص وطل" بالقول: هناك نزعة دائمة من جانب المسئولين للتغطية على الحادث بما يعبر عن ذروة التدهور في أدوات الدولة وصياغة الهندسة القانونية التي تنظم المجتمع وتعكس حالة من الإهمال الجسيم والفساد في المحليات ولا مبالاة المسئولين وتهدد بثورة مكتومة لصالح الفئات الأقل بعد أن احتلّت فئة قليلة جداً من الرأسماليين قمة الهرم في مصر ومنحت كل التسهيلات في مقابل حرمان الطبقات الأخرى.
وأضاف "عبد الفتاح": هناك أزمة "بنيوية" لكل هياكل الدولة وليس النظام السياسي فحسب، فالأغلبية العظمى من الشعب تشعر أنها محتكرة من قبل النخبة؛ نظراً لتفشى "البيروقراطية" وإحساس الطبقات الدنيا باحتقار السلطة لهم وهي الفئة الأضعف سياسياً التي لا تجد من يعبر عنها سواء في النخب الحاكمة أو في البرلمان مما أدى إلى كراهيتها للنظام والدولة!
وعلى صعيد مواز يقول الدكتور "فخري الطهطاوي" أستاذ إدارة الأزمات الزائر بجامعة واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية والمتواجد الآن في القاهرة في تصريحات خاصة لـ"بص وطل": لقد كرّرت الإدارة المصرية نفس خطئها في عدم السيطرة على حادث الشورى لساعات طويلة مرة أخرى في حادث انهيار الصخور في الدويقة، وبدون أن تجرنا العواطف فالأمر ظاهرة تقترب من يقين لفشل في الإدارة في مصر، فنحن لا ننكر أن ما حدث "أمور طبيعية" كل البلاد معرضة لها ولكن بلادنا تفتقد لآليات الإنذار المبكر بالرغم من تشبع مصر بثقافة الأزمات.
موضحاً أن منطقة المقطم معروف أنها تضم في جنباتها العديد من المناطق العشوائية وقد حدثت انهيارات سابقة ولكنها بسيطة مقارنة بالانهيار الحالي ولم يتحرك أحد مستشعراً الخطر حتى أن مشروع السيدة "سوزان مبارك" نفسه الذي وعدت الحكومة المواطنين فيه باستلام شقق إسكان الشباب الموجودة على بعد 500 متر من المنطقة لم يسكنها أحد منذ بنائها قبل خمس سنوات!
وأضاف "الطهطاوي": الإدارة في مصر تتعامل مع الأزمات بأسوأ استراتيجية في العالم وهى "الفعل ورد الفعل" فلا نتحرك إلا بعد حدوث الكارثة وغالباً ما تكون تحركات عشوائية تكون على الشكل التالي وتتكرر في كل الحوادث:
في البداية يتم إرسال مندوبين من مجلسي الشعب والشورى "لمجرد إثبات التواجد" وتقوم أجهزة الشرطة بفرض كردون أمني حول الحادث ويأتي وزيرا الصحة والتضامن الاجتماعي ليؤكد الأول أن الإصابات بسيطة مهما كانت شدة الحادث، ويسعر الآن الضحايا والمفقودين بما يعكس "عقدة" في فكر الإدارة بمصر.
وأكمل لـ"بص وطل" توجد هياكل لإدارة الأزمات في مصر ولكنها "غير مفعّلة" مثل البرواز الخاوي بدون صور، وضرب مثلا باليابان التي غيرت قانونها الذي كان يقول: "كلما زادت حالات "الانكشاف" -التعرض للأخطار- زادت حالات التأثير المتوقع، ولذا تم إحاطة البلد كاملة بـ "الحزام الزلزالي" ليصبح القانون كلما زادت حالة الانكشاف قلّ التأثير المتوقع؛ لأنهم هناك لا يكررون أخطاءهم باعتبار أنهم يكتسبون خبرة من التعامل مع الكوارث والأزمات.
ونفى "الطهطاوي" تأثر تطبيق إدارة الأزمات في مصر بضعف الاعتمادات المالية مؤكداً أن فكر الإدارة الصحيح في مصر "معدوم" من الأساس وأشار أننا في مصر نفتقد لتطبيق عملية "الإخلاء" للسكان في أية كارثة أو حادث نظراً لعدم وجود "لا مركزية" في القرار وانتظار التعليمات الفوقية كالعادة.