لا تزال الصورة قاتمة هناك في منطقة الدويقة –شمال شرق القاهرة– لليوم الثالث على التوالي، حيث لم تتحرك قوات الإنقاذ لانتشال الجثث بشكل علمي فلم تدخل عربة إنقاذ واحدة إلى بطن الجبل لانتشال الجثث التي من المؤكد أنها لقيت نحبها بعد تركها ما يقرب من 36 ساعة تحت الأنقاض دون أن يتحرك أحد لنجدتها، فيما تتواصل جهود الأهالي وقوات الدفاع المدني لانتشال جثث ذويهم بأيديهم وبمعدات بسيطة بسبب عدم دخول الماكينات الثقيلة. وقد ارتفع عدد ضحايا حادث الانهيار الصخري الذي وقع على مجموعة من المنازل بمنطقة الدويقة إلى 35 قتيلاً و 53 مصاباً حتى الآن.
وكانت القوات المسلحة المصرية قد قامت بعمل فتحة تمكن عربات الإنقاذ والمعدات الثقيلة من دخول الجبل، وبالفعل نجحت إلا أن العربات اكتفت بالوقوف على مشارف "الفتحة" ولم تدخل حتى كتابة هذه السطور وسط لعنات من الأهالي لتباطؤ السلطات في إنقاذ أرواح المصريين.
من جانبهم، طالب الأهالي الحكومة المصرية باتخاذ الإجراءات اللازمة لحمايتهم، وقال أحدهم ويدعى "شوقي عبد الباسط" 33 سنة: عاوزين نعيش في سلام بعيد عن الجبل وقرفه بقى، نفسنا نسكن في مدينة الحرفيين أو مساكن سوزان مبارك ولا مكتوب علينا نموت كلنا تحت الجبل.
وقالت "سنية عبد الباري- 50 سنة": هو ليه الحكومة والناس دي كلها جم عندنا بعد خراب مالطة وبعد ما الجبل وقع على رأسنا، ليه محدش جه من الأول.
وتداول الأهالي بعض الكلمات عن عزم الحكومة تفجير الجبل بالديناميت وبناء مساكن لهم بدلاً منه، مؤكدين أن حديث محافظ القاهرة عن توفير شقة لهم بمدينة "منشأة ناصر" لا أساس له من الصحة؛ لأنه لا توجد مساكن لهم هناك وإنما هي مسكنات ليعود الأمر كما هو عليه، وتوقع الأهالي استمرار حالة العبث لعدة أيام ليموت من لم يمت حتى الآن تحت الأنقاض مطالبين الحكومة المصرية بإخلاء الجبل من كل السكان حتى لا يتعرضوا لنفس المصير المحتوم.
وحتى الآن لم يذهب أحد من قيادات الحزب الوطني سوى النائب "حيدر البغدادي" النائب عن الدائرة التي تقع الدويقة ضمن حدودها، فيما تتواصل جهود الإغاثة الشعبية المشكلة والتي قامت بتوزيع حوالي خمسة آلاف وجبة بواسطة عدد من جمعيات الإغاثة والمتطوعين مثل (جنات الخلود)، و(الباقيات الصالحات) التابعة للداعية الإسلامية "عبلة الكحلاوي" التي حضرت بنفسها للموقع، وكذلك جمعية (روح الشباب المسيحية)، وقد قامت الجمعيات بتوزيع قرابة 5 آلاف وجبة إفطار أمس ونصبت عدداً من الخيام للمصابين سواء ممن يقومون بأعمال حفر أو الموجودين تحت الأنقاض لو خرجوا أحياء، ولم يتعاون مع المنظمات سوى اتحاد الأطباء وبنك الطعام بعيداً عن أي دعم رسمي.
الصورة الإجمالية لاتزال مثل اليوم الأول والثاني وإن اشتبك بعض الأهالي مع قوات الشرطة ورشقوهم بالحجارة لمنعهم من إنقاذ ذويهم بالرغم من عدم تحرك أحد لإنقاذهم إضافة إلى منع الإعلاميين من الدخول، كما كثفت القوات الأمنية من حصارها للمنطقة بشكل عام لعدم قيام تظاهرات، وكانت تفرق أي تجمع للأهالي يدعون فيه على الحكومة، وطالب الأهالي الرئيس "مبارك" بالمجيء للدويقة ليرى حالها إن كان يرضيه ذلك.
يذكر أن الكارثة مرشحة للتكرار بحسب آراء الخبراء حيث يتوقع بعضهم أن تنهار في الساعات المقبلة صخرة كبيرة بحجم 26 في 30 متراً بها تصدع كبير وبدأت بالفعل تنهار منها أجزاء صغيرة؛ مما يهدد حوالي 100 منزل آخر. ويرجح بعضهم انهيار جبل المقطم بأكمله؛ بسبب مشروع عقاري كبير "إعمار"، و تذهب تفسيرات ما حدث إلى "أن تسرب مياه الصرف الصحي العشوائي بين مسامات جيوب طفلية أدى إلى زيادة حجم المسامات، وحدوث ضغط على صخور الحجر الجيري المكون للأسطح الجانبية لجبل المقطم؛ مما تسبب في انطلاق كتل صخرية من الجبل وانهيارها، خاصة مع وجود ميل حاد في نهايته، وهو الرأي الذي بلوره الدكتور "صلاح محمود محمد" رئيس المعهد القومي للبحوث الجيوفيزيقية والفلكية وتناقلته وسائل الإعلام المحلية والدولية.
ومن المقرر أن ينظم عدد من المتطوعين ومركز "الحق في السكن" اليوم الإثنين 8 سبتمبر وقفة صامتة بالشموع بميدان طلعت حرب تضامناً مع ضحايا عزبة بخيت بمشاركة العديد من المنظمات الحقوقية.
من جهة أخرى تسيد المشهد القوات المسلحة المصرية مع غياب جزئي للشرطة المصرية التي قامت بحفر الفتحة وهي التي ستقوم بعمليات الإخلاء من الجبل وتفجيره لو تطلب الأمر ذلك.
وتشير بيانات وزارة الإسكان إلى أن سكان «العشوائيات» يبلغ عددهم نحو 8 ملايين مواطن، موزعين على 497 منطقة سكنية بكافة أنحاء البلاد، إلا أن النسبة الكبيرة منها منتشرة حول «القاهرة الكبرى»، والتي تضم المحافظات الواقعة على رأس مثلث دلتا نهر النيل، وهي القاهرة، والجيزة والقليوبية.
وتتميز العشوائيات بضيق شوارعها وتلاصق مبانيها بما يحول دون دخول سيارات الشرطة والإطفاء والإسعاف، مما يؤدي إلى سقوط قتلى من المواطنين الأبرياء، كما قال تقرير للمجلس القومي للثقافة والفنون والآداب والإعلام عن العشوائية، وربط فيه بين حوادث الإرهاب وتلك المناطق. وكشفت دراسة لمركز بحوث الإسكان والبناء والتخطيط العمراني حول الإسكان العشوائي أن 18% من الأسر المصرية تعيش في غرف مشتركة، وأن معدل التكدس يبلغ 7 أفراد في غرفة واحدة بالمناطق العشوائية، فضلاً عن اشتراك عشرات الأسر في دورة مياه واحدة الأمر الذي يعني غياب سياسة واضحة للإسكان. وتذكر الدكتورة "ضحى عبد الغفار" أستاذة الاجتماع بكلية البنات، جامعة عين شمس في دراسة لها أن مصر تضم 434 منطقة عشوائية، وتختص القاهرة وحدها بـ88 منطقة يسكنها حوالي 50% من سكان القاهرة البالغ تعدادهم بين 17 إلى 19 مليون نسمة بحسب الإحصائيات الخاصة لعام 2004/2005، وتقول الحكومة إن هذه المناطق تحتاج إلى 3.485 مليار جنيه مصري لإدخال المرافق الأساسية فقط إليها